فصل: بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.فَصَلِّ في بيان أَحْكَامِ دَفْعِ الدَّعَاوَى:

(قَالَ ذُو الْيَدِ) فِي جَوَابِ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِهِ أَنَّ (هَذَا الشَّيْءَ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ أَوْ أَعَارَنِيهِ أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ رَهَنِّيهِ أَوْ غَصَبْته مِنْهُ) أَيْ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ (وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ (انْدَفَعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي)؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمِلْكَ لِلْغَائِبِ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ شَرْعًا، وَالْآخَرُ دَفْعُ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي وَهَذَا مَقْبُولٌ.
وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ لَا تَسْقُطُ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْغَائِبِ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ فِي إدْخَالِ شَيْءٍ فِي مِلْكِهِ بِلَا رِضَاهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: تَسْقُطُ الْخُصُومَةُ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ حِفْظٍ لَا يَدَ خُصُومَةٍ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيمَنْ عُرِفَ بِالْحِيَلِ) جَمْعُ حِيلَةٍ (لَا تَنْدَفِعُ) الْخُصُومَةُ (وَبِهِ يُؤْخَذُ) وَاخْتَارَهُ فِي الْمُخْتَارِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ صَالِحًا فَكَمَا قَالَ الْإِمَامُ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْخُذُ مَالَ الْغَيْرِ غَصْبًا ثُمَّ يَدْفَعُ سِرًّا إلَى مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُغَيِّبَ، وَيَقُولَ لَهُ أُودَعَهُ عِنْدِي بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ قَصْدًا لِإِبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِهَذِهِ التُّهْمَةِ.
(وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ أُودَعَهُ مَنْ لَا نَعْرِفُهُ لَا تَنْدَفِعُ) الْخُصُومَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي مَنْ أُودَعَهُ (بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ) أَيْ قَوْلِ الشُّهُودِ (نَعْرِفُهُ) أَيْ الْمُودِعَ (بِوَجْهِهِ) لَوْ رَأَيْنَاهُ (لَا بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ حَيْثُ تَنْدَفِعُ) الْخُصُومَةُ.
(عِنْدَ الْإِمَامِ)؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَقَعُ عَلَى الْغَائِبِ لِيَشْتَرِطَ الْعِلْمَ بِنَفْسِهِ أَوْ نَسَبِهِ وَإِنَّمَا يَقْضِي عَلَى الْمُدَّعِي بِالدَّفْعِ عَنْ ذِي الْيَدِ وَهُمَا مَعْلُومَانِ وَهُوَ أَثْبَتُ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ لِهَذَا الْمُدَّعِي (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ مَعْرُوفًا كَانَ بِالْحِيلَةِ أَوْ لَا وَإِنَّمَا تَنْدَفِعُ إذَا عَرَفَ الشُّهُودُ ذَلِكَ الرَّجُلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَوَجَّهَتْ عَلَى ذِي الْيَدِ بِظَاهِرِ يَدِهِ وَلَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِالْحَوَالَةِ عَلَى رَجُلٍ يُمْكِنُ اتِّبَاعُهُ وَالْمَعْرُوفُ بِالْوَجْهِ لَا يَكُونُ مَعْرُوفًا فَصَارَ، هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الشُّهُودِ لَا نَعْرِفُهُ أَصْلًا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَعْوِيلُ الْأَئِمَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى بِمُخَمَّسَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى لِلِاشْتِمَالِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ شُبْرُمَةَ كَمَا تَرَى؛ أَوْ لِأَنَّ صُوَرَهَا خَمْسٌ وَدِيعَةٌ وَإِجَارَةٌ وَإِعَارَةٌ وَرَهْنٌ وَغَصْبٌ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الْمِنَحِ، هَذَا إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي مِلْكًا مُطْلَقًا فِي الْعَيْنِ كَمَا أَفَادَهُ عَدَمُ تَقْيِيدِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ الْمَسَائِلِ الْقَابِلَةِ لِهَذَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ فَرْضَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ إقَامَةِ الْمُدَّعِي الْبُرْهَانَ لِمَا تَقَرَّرَ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ أَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الطَّالِبُ بِالْبُرْهَانِ، وَلَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى الدَّفْعِ قَبْلَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعِي لَمَّا ادَّعَى الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فِيمَا فِي يَد الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْكَرَهُ وَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعِي الْبُرْهَانَ فَأَقَامَهُ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى دَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ وَبَرْهَنَ عَلَى الدَّفْعِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ وَكَّلَنِي صَاحِبُهُ بِحِفْظِهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ أَسْكَنَنِي فِيهَا فُلَانٌ الْغَائِبُ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ سَرَقْته مِنْهُ أَوْ أَخَذْته مِنْهُ أَوْ ضَلَّ مِنْهُ فَوَجَدْته كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَالصُّوَرُ عَشَرٌ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْخَمْسِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسِّرَ الْمُخَمَّسَةَ بِالْأَقْوَالِ.
(وَلَوْ قَالَ) ذُو الْيَدِ (اشْتَرَيْته مِنْهُ) أَيْ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ (لَا تَنْدَفِعُ) الْخُصُومَةُ لِكَوْنِ يَدِهِ يَدَ خُصُومَةِ لِاعْتِرَافِهِ سَبَبَ الْمَلِكِ، وَهُوَ الشِّرَاءَ.
(وَكَذَا) لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ (لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي سَرَقْتَهُ) بِتَاءِ الْخِطَابِ (أَوْ غَصَبْته مِنِّي) فَقَالَ ذُو الْيَد أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ.
(وَإِنْ) وَصَلْيَةٌ (بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى إيدَاعِ الْغَائِبِ)؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي لَمَّا قَالَ لِصَاحِبِ الْيَدِ غَصَبْته مِنِّي صَارَ ذُو الْيَدِ خَصْمًا بِاعْتِبَارِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ وَفِيهِ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهَا بِالْإِحَالَةِ عَلَى الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْخُصُومَةِ فِيهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى تَصِحُّ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ، وَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِانْتِفَاءِ يَدِهِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ.
(وَكَذَا) لَا تَنْدَفِعُ (إنْ قَالَ) الْمُدَّعِي (سُرِقَ مِنِّي) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ اسْتِحْسَانًا (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ بَلْ عَلَى مَجْهُولٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ غُصِبَ مِنِّي عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ يَسْتَدْعِي الْفَاعِلَ لَا مَحَالَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ذُو الْيَدِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ دَرْءً لِلْحَدِّ عَنْهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ سَرَقْته مِنِّي بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ فَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَضَى عَلَى ذِي الْيَدِ فَقَطْ.
وَفِي التَّنْوِيرِ قَالَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَنَّهُ مِلْكِي ثُمَّ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ أَنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدِي مِنْ فُلَانٍ تَنْدَفِعُ مِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى مَا ذَكَرَ، وَلَوْ بَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى مَقَالَتِهِ الْأُولَى يَجْعَلُهُ خَصْمًا، وَيْحُكُمْ عَلَيْهِ لِسَبْقِ إقْرَارِهِ وَيُمْنَعُ مِنْ الدَّفْعِ.
(وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي ابْتَعْته مِنْ زَيْدٍ وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ هُوَ) أَيْ زَيْدٌ (انْدَفَعَتْ) الْخُصُومَةُ (بِلَا حُجَّةٍ)؛ لِأَنَّهُمَا اعْتَرَفَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْأَصْلِ لِغَيْرِهِمَا فَيَكُونُ وُصُولُهُ إلَى صَاحِبِ الْيَدِ مِنْ جِهَةِ زَيْدٍ الْبَائِعِ فَلَا تَكُونُ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ (إلَّا إذَا بَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّ زَيْدًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ) فَحِينَئِذٍ لَا تَنْدَفِعُ وَتَصِحُّ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بَيِّنَةً كَوْنَهُ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهَا وَلَوْ صَدَّقَهُ ذُو الْيَدِ فِي شِرَائِهِ مِنْهُ لَا يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ حَتَّى لَا يَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِإِقْرَارِهِ وَهِيَ عَجِيبَةٌ.
وَفِي الْبَحْرِ قَيَّدَ بِتَلَقِّي الْيَدِ مِنْ الْغَائِبِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا قَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ وَكِيلُ فُلَانٍ ذَلِكَ لَمْ تَنْدَفِعْ إلَّا بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَلَقِّي الْيَدِ مِمَّنْ اشْتَرَى هُوَ مِنْهُ لِإِنْكَارِ ذِي الْيَدِ وَلَا مِنْ جِهَةِ وَكِيلِهِ لِإِنْكَارِ الْمُدَّعِي وَكَذَا لَوْ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى الْوَكِيلِ، وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْمُوَكِّلَ دَفَعَهَا إلَى ذِي الْيَدِ وَتَقْيِيدُهُ بِدَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ الْغَائِبِ اتِّفَاقِيٌّ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ غَصَبَهُ مِنْهُ فُلَانٌ الْغَائِبُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ، وَزَعَمَ ذُو الْيَدِ أَنَّ، هَذَا الْغَائِبَ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ انْدَفَعَتْ الْخُصُومَةُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُصُولِ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنَّ صَاحِبَ الْيَدِ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَكَانُ دَعْوَى الْغَصْبِ دَعْوَى السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ لَا تَنْدَفِعُ بِزَعْمِ ذِي الْيَدِ إيدَاعَ ذَلِكَ الْغَائِبِ فِي الِاسْتِحْسَانِ انْتَهَى.

.بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ دَعْوَى الْوَاحِدِ ذَكَرَ دَعْوَى مَا زَادَ عَلَيْهِ وَالْوَاحِدُ قَبْلَ مَا زَادَ (لَا تُعْتَبَرُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ هَذَا مِلْكِي وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَ مِلْكِهِ (وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُطْلَقِ (أَحَقُّ) بِالِاعْتِبَارِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَحَقُّ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ وَلَنَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ شُرِعَتْ لِلْإِثْبَاتِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَى الْمُدَّعِي بِوَجْهٍ وَذُو الْيَدِ لَهُ مِلْكٌ عَلَيْهِ بِالْيَدِ فَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ بِكَثْرَةِ ثُبُوتِهَا إلَّا إذَا ادَّعَى ذُو الْيَدِ مَعَ الْمِلْكِ فِعْلًا كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ كَمَا سَيَأْتِي قَيَّدَ بِالْمُطْلَقِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمُقَيَّدِ بِالسَّبَبِ، وَهَذَا إنْ وَقَّتَا أَوْ لَمْ يُوَقِّتَا بِاتِّفَاقٍ (بَرْهَنَا) أَيْ الْخَارِجَانِ (عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ) أَيْ لَوْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى عَيْنٍ فِي يَدِ ثَالِثٍ مُنْكِرٍ بَعْدَ ادِّعَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِلْكًا مُطْلَقًا فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ (قَضَى بِهِ) أَيْ بِهَذَا الشَّيْءِ (لَهُمَا) بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ عِنْدَنَا لِقَبُولِ الشَّرِكَةِ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَضَى بِنَاقَةٍ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَمْ يَأْمُرْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُرْعَةِ فِي وَقْتٍ كَانَ الْقِمَارُ فِيهِ مُبَاحًا ثُمَّ انْتَسَخَتْ بِحُرْمَةِ الْقِمَارِ إذْ تَعْلِيقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ قِمَارٌ وَكَذَا تَعْيِينُ الْمُسْتَحَقِّ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَلِلْقَاضِي ثَمَّةُ وِلَايَةِ التَّعْيِينِ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ وَإِنَّمَا يَقْرَعُ لِتُطَيِّبْ الْقُلُوبِ وَنَفْيِ تُهْمَةِ الْمَيْلِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْقِمَارِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ كَمَا سَيَأْتِي.
(وَلَوْ) بَرْهَنَا (عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ سَقَطَا) لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ وَإِذَا تَهَاتَرَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا حَيْثُ لَا مُرَجِّحَ وَإِذَا تَهَاتَرَا وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِيَانِ حَيَّيْنِ وَالْمَرْأَةُ أَمَّا لَوْ بَرْهَنَا عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَرِثَانِ مِيرَاثَ زَوْجٍ فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُمَا وَيَرِثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ وَهُمَا يَرِثَانِ مِنْ الِابْنِ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَهِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (لِمَنْ صَدَّقَتْهُ)؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يَحْكُمُ بِهِ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ الْمُتَنَازَعُ فِيهَا فِي يَدِ مَنْ كَذَّبَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ مَنْ كَذَّبَتْهُ بِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ الْآخَرِ أَوْ دَخَلَ بِهَا فَلَا اعْتِبَارَ بِالتَّصْدِيقِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ عَقْدِهِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (فَإِنْ أَرَّخَا) أَيْ الْمُدَّعِيَانِ لِنِكَاحِهَا وَكَانَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا سَابِقًا (فَالسَّابِقُ أَحَقُّ) بِهَا مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ لِلسَّابِقِ إذْ عَقْدُ اللَّاحِقِ وَبُرْهَانُهُ بَاطِلٌ وَلَا يُعْتَبَرُ مَا ذَكَرَ مِنْ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ أَوْ دَخَلَ بِهَا وَلَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَإِنَّهَا لِمَنْ أَقَرَّتْ لَهُ كَمَا لَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَلِلْآخَرِ يَدٌ فَإِنَّهَا لِذِي الْيَدِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
(وَإِنْ أَقَرَّتْ) الْمَرْأَةُ بِالزَّوْجِيَّةِ (لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْبُرْهَانِ فَهِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (لَهُ) لِتَصَادُقِهِمَا عَلَيْهِ (فَإِنْ بَرْهَنَ الْآخَرُ) أَيْ الَّذِي لَمْ تَقِرَّ لَهُ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ (قَضَى لَهُ) أَيْ لِلْمُبَرْهِنِ لِقُوَّةِ الْبُرْهَانِ فَإِنْ بَرْهَنَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَالسَّابِقُ أَوْلَى.
(وَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا) عَلَى نِكَاحِهَا (فَقَضَى لَهُ) بِالنِّكَاحِ (ثُمَّ بَرْهَنَ الْآخَرُ) عَلَى أَنَّهُ نَكَحَهَا (لَا يُقْبَلُ) بُرْهَانُهُ إذْ لَا يُنْقَضُ شَيْءٌ بِمِثْلِهِ وَهَهُنَا صَارَ الْأَوَّلُ أَقْوَى لِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ (إلَّا) وَقْتَ (إنْ أَثْبَتَ) ذَلِكَ الْآخَرُ بِالْبَيِّنَةِ (سَبَقَهُ) أَيْ سَبَقَ نِكَاحُهُ إيَّاهَا عَلَى نِكَاحِ الْأَوَّلِ فَحِينَئِذٍ يَقْضِي لَتَيَقُّنِ الْخَطَأِ فِي الْأَوَّلِ.
(وَكَذَا لَا يُقْبَلُ بُرْهَانُ خَارِجٍ عَلَى) زَوْجٍ (ذِي يَدٍ) عَلَى امْرَأَةٍ (نِكَاحُهُ ظَاهِرٌ) بِنَقْلِهَا إلَى بَيِّنَةٍ أَوْ بِالدُّخُولِ مَعَهُ (إلَّا إنْ أَثْبَتَ) الْخَارِجُ (سَبْقَهُ) أَيْ سَبْقَ نِكَاحِهِ عَلَى نِكَاحِ ذِي الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ لِمَا مَرَّ (وَإِنْ بَرْهَنَا) أَيْ الْخَارِجَانِ (عَلَى شِرَاءِ شَيْءٍ مِنْ آخَرَ) أَيْ مِنْ ذِي يَدٍ بِلَا تَارِيخٍ (فَكُلٌّ نِصْفُهُ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ ذَلِكَ الشَّيْءِ (بِنِصْفِ ثَمَنِهِ) أَيْ ثَمَنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ إنْ شَاءَ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ (أَوْ تَرَكَهُ) أَيْ تَرَكَ النِّصْفَ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي السَّبَبِ وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِكُلِّهِ فَيَتَخَيَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِتَغَيُّرِ شَرْطِ عَقْدِهِ عَلَيْهِ فَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ فَيَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ كُلَّ الثَّمَنِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَاحِدٍ يُقْرِعُ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ، وَيَرْجِعُ إلَى تَصْدِيقِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ قُلْنَا أَنَّ الْمَحَلَّ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِزَيْدٍ عَلَى الْكَمَالِ وَمَمْلُوكًا لِعَمْرٍو عَلَى الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ السَّبَبُ؛ لِأَنَّ الْمَحْسُوسَ الْمُحَاطَ لِلشُّهُودِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ هُنَاكَ صَادِقٌ بِأَنْ يُعَايِنَ السَّبَبَ مِنْ الرَّجُلَيْنِ وَلَا يَعْلَمَانِ سَبْقَ أَحَدِهِمَا (وَبِتَرْكِ أَحَدِهِمَا) نِصْفَهُ (بَعْدَمَا قَضَى لَهُمَا لَا يَأْخُذُ) الْمُدَّعِي (الْآخَرَ كُلَّهُ)؛ لِأَنَّ بِالْقَضَاءِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي حَقِّ كُلٍّ فِي النِّصْفِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ يَأْخُذُ كُلَّهُ لِإِثْبَاتِ بُرْهَانِهِ اشْتِرَاءَ الْكُلِّ بِلَا مُزَاحِمٍ لِلْقَضَاءِ (فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ أَوْ تَارِيخٌ فَهُوَ) أَيْ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْ التَّارِيخِ (أَوْلَى)؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ إذْ قَبْضُ الْقَابِضِ وَشِرَاءُ غَيْرِهِ حَادِثَانِ فَيُضَافَانِ إلَى أَقْرَبِ الْأَزْمَانِ، وَهُوَ الْحَالُ مَعَ أَنَّ قَبْضَ الشَّيْءِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ شِرَائِهِ فَصَارَ شِرَاؤُهُ أَقْدَمَ تَارِيخًا مِنْ شِرَاءِ غَيْرِ الْقَابِضِ وَبِالتَّارِيخِ أَثْبَتَ مِلْكَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَاحْتَمَلَ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَقْضِي لَهُ بِالشَّكِّ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: وَلِي إشْكَالٌ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ، وَهُوَ أَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ مَفْرُوضَةٌ فِي خَارِجَيْنِ تَنَازَعَا فِيمَا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَإِذَا كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ ذَا يَدٍ تَنَازَعَ مَعَ خَارِجٍ فَلَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمِعْرَاجِ مَا يُزِيلُهُ مِنْ جَوَازِ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ أَثْبُت بِالْبَيِّنَةِ قَبْضَهُ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ، وَهُوَ الْآنَ فِي يَدِ الْبَائِعِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا بِالْمُعَايَنَةِ انْتَهَى.
وَالْحَقُّ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَكَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُهَا انْتَهَى.
(وَإِنْ أَرَّخَا فَالسَّابِقُ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ وَلِلْآخِرِ تَارِيخٌ فَذُو الْيَدِ أَوْلَى)؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَانْدَفَعَ بِهِ ثُمَّ لَا يَقْضِي بَعْدَهُ لِغَيْرِهِ إلَّا إذَا انْتَفَى الْمِلْكُ مِنْهُ (وَالشِّرَاءُ أَحَقُّ مِنْ هِبَةٍ) مَعَ قَبْضٍ (وَصَدَقَةٍ مَعَ قَبْضٍ) أَيْ لَوْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى ذِي يَدٍ أَحَدُهُمَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ وَالْآخَرُ عَلَى الْهِبَةِ مِنْهُ كَانَ الشِّرَاءُ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ أَقْوَى لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ وَالْمِلْكُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ، هَذَا إنْ لَمْ يُؤَرِّخَا فَلَوْ أَرَّخَا وَاتَّحَدَ الْمُمَلَّكُ فَالْأَسْبَقُ تَارِيخًا مِنْهُمَا أَحَقُّ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُمَلِّكُ فَأَيُّهُمَا سَوَاءٌ فِي صُورَةِ التَّارِيخِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ مُمَلِّكِهِ فِي إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّحَدَا لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى إثْبَاتِ السَّبَبِ وَفِيهِ تَقَدُّمُ الْأَقْوَى، وَلَوْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَالْمُؤَرَّخَةُ أَوْلَى قَيَّدَ بِكَوْنِهِمَا خَارِجَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّهُ يَقْضِي لِلْخَارِجِ إلَّا فِي أَسْبَقِ التَّارِيخِ فَهُوَ لِلْأَسْبَقِ، وَإِنْ أُرِّخَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَلَا تَرْجِيحَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا يَقْضِي بَيْنَهُمَا إلَّا فِي أَسْبَقِ التَّارِيخِ فَهِيَ لَهُ كَدَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ) كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ (سَوَاءٌ) بِالِاتِّفَاقِ فَيَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي كَوْنِهِمَا تَبَرُّعًا وَأَمَّا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالدَّارِ فَهُمَا سَوَاءٌ عِنْدَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ طَارَ فَيَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْهِبَةِ فِي الشَّائِعِ فَصَارَ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى الِارْتِهَانِ، وَهَذَا أَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ التَّارِيخِ وَالْقَبْضِ، وَأَمَّا إذَا أَرَّخَا قَدَّمَ الْأَسْبَقَ وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا، وَمَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَانَ أَوْلَى، وَكَذَا إنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ كِلَاهُمَا هِبَةً أَوْ صَدَقَةً أَوْ أَحَدُهُمَا هِبَةً وَالْآخَرُ صَدَقَةً فَمَا لَمْ يَذْكُرْ الشُّهُودُ الْقَبْضَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ ذَكَرُوا الْقَبْضَ وَلَمْ يُؤَرِّخُوا أَوْ أَرَّخُوا تَارِيخًا وَاحِدًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُهَا فَلَا يَقْضِي لَهُمَا بِشَيْءٍ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا يَقْضِي لَهُ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَكَذَا الشِّرَاءُ وَالْمَهْرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ، هَذَا الشَّيْءَ اشْتَرَيْته مِنْ زَيْدٍ وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ زَيْدًا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الشَّيْءِ فَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا أَوْ ذَكَرَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا يَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَالْمَهْرَ سَوَاءٌ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ ثُمَّ لِلْمَرْأَةِ نِصْفُ الْقِيمَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَلِلْمُشْتَرِي نِصْفُ الثَّمَنِ الْمَنْقُودِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ الشِّرَاءُ أَوْلَى) فَيَقْضِي لِصَاحِبِ الشِّرَاءِ (وَعَلَى الزَّوْجِ الْقِيمَةُ) أَيْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ حُجَجُ الشَّرْعِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا مَا أَمْكَنَ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَجْعَلَ الشِّرَاءَ سَابِقًا إذْ لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ صَحَّتْ الْقِسْمَةُ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ قَيَّدَ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ نِكَاحٌ وَهِبَةٌ أَوْ رَهْنٌ أَوْ صَدَقَةٌ فَالنِّكَاحُ أَوْلَى.
وَفِي الْمِنَحِ اعْتِرَاضٌ عَنْ طَرَفِ صَاحِبِ الْفُصُولَيْنِ وَجَوَابٌ عَنْ طَرَفِ صَاحِبِ الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ.
(وَالرَّهْنُ مَعَ الْقَبْضِ أَوْلَى مِنْ الْهِبَةِ) بِلَا عِوَضٍ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْقَبْضِ يَعْنِي لَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا رَهْنًا مَقْبُوضًا وَالْآخَرُ هِبَةً وَقَبْضًا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يُؤَرِّخَا فَمُدَّعِي الرَّهْنِ أَوْلَى اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْهِبَةَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ فَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ وَبِحُكْمِ الْهِبَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَعَقْدُ الضَّمَانِ أَقْوَى (فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الْهِبَةُ (بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ) أَيْ الْهِبَةُ (أَوْلَى) مِنْ الرَّهْنِ لِكَوْنِهَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ انْتِهَاءً فَيَكُونُ عَقْدُهَا عَقْدُ زَمَانٍ يُثْبِتُ الْمِلْكَ مَعْنًى وَصُورَةً بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا يُثْبِتُهُ إلَّا عِنْدَ الْهَلَاكِ مَعْنًى لَا صُورَةً، هَذَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ ثَالِثٍ إذَا لَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا يَقْضِي بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ إلَّا أَنْ يُؤَرِّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ فَيَقْضِي لَهُ.
(وَإِنْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ ذُكِرَتْ وَإِعَادَتُهَا هُنَا لِأَجْلِ ذِكْرِ التَّارِيخِ (أَوْ شِرَاءٍ مُؤَرَّخٍ مِنْ وَاحِدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِشِرَاءِ (غَيْرِ ذِي الْيَدِ) احْتَرَزَ بِهَذَا عَمَّا بَرْهَنَا عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهَا (فَالسَّابِقُ أَوْلَى)؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ مِلْكَهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ إلَّا إذَا تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ وَقَوْلُ الْإِمَامِ عَلَى تَخْرِيجِ صَاحِبِ الْأَمَالِي وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَمُحَمَّدٍ أَوَّلًا وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا هُوَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ زَيْدٍ وَ) بَرْهَنَ (الْآخَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشِّرَاءِ (مِنْ بَكْرٍ) وَاتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا فَهُمَا سَوَاءٌ حَتَّى يَكُونَ الْمَبِيعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِ وَمِلْكُ بَائِعِهِ مُطْلَقٌ بِلَا تَارِيخٍ فَصَارَ مَا إذَا حَضَرَ الْبَائِعُ فَادَّعَى الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فَيَكُونُ بَيْنَ الْخَارِجَيْنِ لِاسْتِوَاءِ تَارِيخِهِمَا.
(وَكَذَا لَوْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ)؛ لِأَنَّ تَوْقِيتَ أَحَدِهِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا يَحْكُمُ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَقَدَّمَهُ شِرَاءُ غَيْرِهِ.
وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ لَا تُقْبَلُ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ.
(وَلَوْ بَرْهَنَ خَارِجٌ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ شَخْصٍ وَ) بَرْهَنَ خَارِجٌ (آخَرُ عَلَى الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ مِنْ غَيْرِهِ وَ) بَرْهَنَ خَارِجٌ (آخَرُ عَلَى الْإِرْثِ مِنْ أَبِيهِ وَ) بَرْهَنَ خَارِجٌ (آخَرُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْقَبْضِ مِنْ رَابِعٍ قَضَى بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا) سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُمْ أَوْ مَعَ بَعْضِهِمْ تَارِيخٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْمِلْكَ لِمُمَلِّكِيهِمْ وَذَلِكَ تَارِيخٌ فِيهِ وَلَا يُقَدِّمُ الْأَقْوَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَلَوْ بَرْهَنَ خَارِجٌ عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَذُو الْيَدِ عَلَى مِلْكٍ أَقْدَمُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْخَارِجِ (فَهُوَ) أَيْ ذُو الْيَدِ (أَوْلَى) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ عَلَى مَا قَالَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي مِلْكِ الْمُطْلَقِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ فِيهِ تُثْبِتُ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ فَيَسْتَوِي فِيهَا التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا أَقَامَاهَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَلَهُمَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ مَعَ التَّارِيخِ تَدْفَعُ مِلْكَ غَيْرِهِ فِي وَقْتِ التَّارِيخِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ عَلَى الدَّفْعِ مَقْبُولَةٌ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِغَيْرِهِ بَعْدَهُ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ قَيَّدَ بِسَبْقِ تَارِيخِ ذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَارِيخٌ أَوْ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا أَوْ أُرِّخَتْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ كَانَ الْخَارِجُ أَوْلَى.
(وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ كَانَتْ الْيَدُ لَهُمَا) وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْلَى فِي قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ.
وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ فَكَأَنَّهُمَا أَقَامَتَا عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا.
(وَلَوْ بَرْهَنَ خَارِجٌ وَذُو يَدٍ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَوَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالْخَارِجُ أَوْلَى) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ (ذُو الْوَقْتِ أَوْلَى)؛ لِأَنَّهُ أَقْدَمُ وَصَارَ كَمَا فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ إذَا أُرِّخَ أَحَدُهُمَا كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إنَّمَا تُقْبَلُ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الدَّفْعِ وَلَا دَفْعَ هَهُنَا حَيْثُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي التَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ.
(وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) أَيْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ أَوْ الْخَارِجُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَأُرِّخَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ (فَهُمَا سَوَاءٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي وَقَّتَ أَوْلَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الَّذِي أَطْلَقَ أَوْلَى) وَعَلَّلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ دَعْوَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ بِدَلِيلِ اسْتِحْقَاقِ الزَّوَائِدِ وَرُجُوعِ الْبَاعَةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ التَّارِيخَ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِيَقِينٍ وَالْإِطْلَاقُ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْأَوَّلِيَّةِ وَالتَّرْجِيحُ بِالتَّيَقُّنِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ التَّارِيخَ يُضَامُهُ احْتِمَالُ عَدَمِ التَّقَدُّمِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ صَاحِبِ التَّارِيخِ انْتَهَى.
لَكِنْ صُوَرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَلَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ وَلَوْ فِي أَيْدِيهِمَا فَذَكَرَ أَنْ يَكُونَ نَظِيرَ قَوْلِهِ وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ إلَى آخِرِهِ فَقَالَ فِي عَقِبِهِ فَعَلَى، هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا انْتَهَى.
قَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَغَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِهِ بِأَنْ قَامَ أَحَدُهُمَا عَلَى مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَالْآخَرُ عَلَى مُطْلَقٍ الْمِلْكُ سَقَطَ التَّارِيخُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ صَاحِبُ الْوَقْتِ أَوْلَى انْتَهَى.
فَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ مُخَالَفَةُ الْمُصَنِّفِ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ تَتَبَّعْ.
(وَإِنْ بَرْهَنَ خَارِجٌ وَذُو يَدٍ عَلَى النِّتَاجِ) أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً (فَذُو الْيَدِ أَوْلَى)؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُمَا قَامَتَا عَلَى مَا لَا تَدُلُّ عَلِيّ الْيَدِ فَاسْتَوَيَا فِي الْإِثْبَاتِ وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ بِالْيَدِ فَيَقْضِي لَهُ بِهِ وَلَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ؛ لِأَنَّ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ يَسْتَوْعِبُ كُلَّ تَارِيخٍ فَلَا يُفِيدُ ذِكْرَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْهُمَا اتَّحَدَ التَّارِيخَانِ أَوْ اخْتَلَفَا مَا لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا مُسْتَحِيلًا بِأَنْ لَمْ يُوَافِقْ سِنَّ الْمُدَّعِي وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ أَوْلَى وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَيُتْرَكُ فِي ذِي الْيَدِ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَجْهٌ لِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَضَى لِذِي الْيَدِ بِنَاقَةٍ بَعْدَمَا أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَتْهَا وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَاقَتُهُ نَتَجَتْهَا؛ وَلِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَكَانَ مُسَاوِيًا لِلْخَارِجِ فَبِإِثْبَاتِهَا يَنْدَفِعُ الْخَارِجُ وَبَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ مَقْبُولَةٌ لِلدَّفْعِ.
(وَكَذَا لَوْ بَرْهَنَ كُلٌّ عَلَى تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ آخَرَ وَعَلَى النِّتَاجِ عِنْدَهُ) أَيْ لَوْ تَلَقَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ الْمِلْكَ مِنْ رَجُلٍ فَكَانَ هُنَاكَ بَائِعَانِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ عِنْدَ مَنْ تَلَقَّى مِنْهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إقَامَتِهَا عَلَى النِّتَاجِ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَيَقْضِي بِهِ لِذِي الْيَدِ كَأَنَّ الْبَائِعَيْنِ قَدْ حَضَرَا وَأَقَامَا عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يَقْضِي ثَمَّةَ لِصَاحِبِ الْيَدِ كَذَلِكَ هَهُنَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
(وَلَوْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَالْآخَرُ عَلَى النِّتَاجِ فَهُوَ) أَيْ صَاحِبُ النِّتَاجِ (أَوْلَى) أَيُّهُمَا كَانَ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ قَامَتْ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ صَرِيحًا فَلَا يَثْبُتُ لِلْآخَرِ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْهُ وَالْآخَرُ لَمْ يَتَلَقَّ مِنْهُ وَأَوَّلِيَّتُهُ تَثْبُتُ دَلَالَةً وَلَا عِبْرَةَ بِهَا مَعَ الصَّرِيحِ.
(وَكَذَا لَوْ كَانَا خَارِجِينَ) فَبَرْهَنَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَالْآخَرُ عَلَى النِّتَاجِ فَبَيِّنَةُ النِّتَاجِ أَوَّلًا لِمَا بَيَّنَّا.
(وَلَوْ قَضَى بِالنِّتَاجِ لِذِي الْيَدِ ثُمَّ بَرْهَنَ ثَالِثٌ عَلَى النِّتَاجِ قَضَى لَهُ) أَيْ لِلثَّالِثِ (إلَّا أَنْ يُعِيدَ ذُو الْيَدِ بُرْهَانَهُ)؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ مَا قَامَتْ عَلَى هَذَا الْمُدَّعِي وَإِنَّمَا قَامَتْ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَمْ يَصِرْ الثَّالِثُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ (كَمَا لَوْ بَرْهَنَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عَلَى النِّتَاجِ يَقْبَلُ وَيَنْقُضُ الْقَضَاءَ) أَيْ لَوْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ وَالْخَارِجُ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ وَبَرْهَنَا فَقَضَى عَلَى ذِي الْيَدِ بِالْمِلْكِ ثُمَّ إنَّ ذَا الْيَدِ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ تُقْبَلُ وَيُنْقَضُ بِهِ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْأَوَّلِيَّةِ قَطْعًا فَكَانَ الْقَضَاءُ وَاقِعًا عَلَى خِلَافِهِ كَالْقَضَاءِ الْوَاقِعِ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ.
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُقْبَلُ بُرْهَانُهُ لِصَيْرُورَتِهِ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
وَفِي الْبَحْرِ أَطْلَقَ فَشَمِلَ مَا إذَا بَرْهَنَ الْخَارِجُ فَقَطْ عَلَى النِّتَاجِ وَقَضَى لَهُ ثُمَّ بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ يَقْضِي لَهُ وَيَبْطُلُ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ وَلَوْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ نِتَاجًا أَيْضًا، وَلَمْ يُبَرْهِنَا حَتَّى حَكَمَ بِهَا لِلْمُدَّعِي بِالنِّتَاجِ ثُمَّ بَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى النِّتَاجِ لَا يُنْتَقَضُ الْحُكْمُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ فِي حَادِثَةٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ إلَّا إذَا بَرْهَنَ عَلَى إبْطَالِ الْقَضَاءِ أَوْ عَلَى تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ الْمَقْضِيِّ لَهُ أَوْ عَلَى النِّتَاجِ انْتَهَى.
(وَكُلُّ سَبَبٍ لَا يَتَكَرَّرُ) أَيْ فِي الْمِلْكِ إذَا ادَّعَاهُ ذُو الْيَدِ (فَهُوَ مِثْلُ النِّتَاجِ) أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ النِّتَاجِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَذَلِكَ (كَنَسْجِ ثِيَابٍ لَا تُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً) كَمَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ ثَوْبًا أَنَّهُ مِلْكُهُ نَسَجَهُ وَهُوَ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ نَسْجُهُ وَكَمَا إذَا ادَّعَتْ غَزْلَ قُطْنٍ أَنَّهُ مِلْكُهَا غَزَلَتْهُ بِيَدِهَا (وَكَحَلَبِ اللَّبَنِ) فَإِنَّهُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ أَيْضًا فَإِذَا ادَّعَى لَبَنًا أَنَّهُ مِلْكُهُ حَلَبَهُ مِنْ شَاتِه (وَاِتِّخَاذِ الْجُبْنِ) بِأَنْ ادَّعَى جُبْنًا أَنَّهُ مِلْكُهُ صَنَعَهُ فِي مِلْكِهِ (وَاللُّبَدِ) بِأَنْ ادَّعَى لِبْدًا بِأَنَّهُ صَنَعَهُ مِنْ الصُّوفِ الَّذِي هُوَ مِلْكُهُ (وَالْمِرْعِزَّى) وَهِيَ كَالصُّوفِ تَحْتَ شَعْرِ الْمَعْزِ (وَجَزِّ الصُّوفِ) بِأَنْ ادَّعَى صُوفًا مَجْزُوزًا أَنَّهُ مِلْكُهُ جَزَّهُ مِنْ شَاتِه وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَادَّعَى ذُو الْيَدِ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يَقْضِي بِذَلِكَ لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيُلْحَقُ بِهِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ (وَمَا يَتَكَرَّرُ) أَيْ كُلُّ سَبَبٍ يَتَكَرَّرُ قَضَى بِهِ لِلْخَارِجِ (بِمَنْزِلَةِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) لَا يُلْحَقُ بِالنِّتَاجِ (كَنَسْجِ الْخَزِّ) وَهُوَ اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ سُمِّيَ الثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ مِنْ وَبِرِّهِ خَزًّا فَإِنَّهُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ؛ لِأَنَّ الْخَزَّ وَالصُّوفَ وَالشَّعْرَ إذَا بَلَى يُنْقَضُ وَيُغْزَلُ مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ يُنْسَجُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ ذَا الْيَدِ نَسَجَهُ ثُمَّ غَصَبَهُ الْخَارِجُ وَنَقَضَهُ ثُمَّ نَسَجَهُ فَيَكُونُ مِلْكًا لَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ (وَكَالْبِنَاءِ) فَإِنَّهُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ؛ لِأَنَّهُ يُبْنَى ثُمَّ يَنْهَدِمُ ثُمَّ يُبْنَى (وَالْغَرْسِ)؛ لِأَنَّ النَّخْلَ يُغْرَسُ غَيْرَ مَرَّةٍ (وَزِرَاعَةِ الْبُرِّ وَالْحُبُوبِ)؛ لِأَنَّ الْبُرَّ قَدْ يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُغَرْبَلُ التُّرَابُ فَيُمَيَّزُ الْبُرُّ مِنْهُ ثُمَّ يُزْرَعُ ثَانِيًا فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ وَكَذَا كُلُّ مَا يُزْرَعُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَإِذَا ادَّعَى ثَوْبًا أَنَّهُ مِلْكُهُ مِنْ خَزِّهِ أَوْ ادَّعَى دَارًا أَنَّهَا مِلْكُهُ بَنَاهَا أَوْ ادَّعَى غَرْسًا أَنَّهُ مِلْكُهُ غَرْسَهُ أَوْ حِنْطَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ زَرْعَهَا أَوْ حَبًّا آخَرَ مِنْ الْحُبُوبِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَادَّعَى ذُو الْيَدِ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً قَضَى بِهِ لِلْخَارِجِ لِمَا مَرَّ (وَمَا أَشْكَلَ) بِحَيْثُ لَا يَتَيَقَّنُ بِالتَّكَرُّرِ وَعَدَمِهِ (رَجَعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ)؛ لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (فَإِنْ أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ (جُعِلَ كَالْمُطْلَقِ) أَيْ قَضَى بِهِ لِلْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بَيِّنَةٌ هُوَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا عَدَلْنَا عَنْهُ بِخَبَرِ النِّتَاجِ كَمَا رَوَيْنَا فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصْلِ.
(وَإِنْ بَرْهَنَ خَارِجٌ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَذُو يَدٍ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْخَارِجِ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا مَثَلًا فِي زَيْدٍ وَادَّعَاهُ بَكْرٌ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ وَبَرْهَنَ زَيْدٌ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ (فَهُوَ) أَيْ ذُو الْيَدِ (أَوْلَى)؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ وَإِنْ كَانَ يُثْبِتُ أَوَّلِيَّةُ الْمِلْكِ فَذُو الْيَدِ يَتَلَقَّى الْمَلِكَ مِنْهُ وَلَا تَنَافِي فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ.
(وَإِنْ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ (عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا تَارِيخَ لَهُمَا تَهَاتَرَتَا) أَيْ سَقَطَتْ الْبَيِّنَتَانِ (وَتُرِكَ الْمَالُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ) بِغَيْرِ قَضَاءٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْد مُحَمَّدٍ) إنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا (يَقْضِي) بِالْبَيِّنَتَيْنِ (لِلْخَارِجِ) لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِمَا يَجْعَلُ ذَا الْيَدِ مُشْتَرِيًا مِنْ الْخَارِجِ وَقَبَضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلَالَةُ السَّبْقِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَا يَعْكِسُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالشِّرَاءِ مِنْ صَاحِبِهِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لَهُ فَصَارَ بَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى إقْرَارِ الْآخَرِ وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بِالْإِجْمَاعِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ فَكَذَا، هَذَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَإِنْ أَرَّخَا) أَيْ الْخَارِجُ وَذُو الْيَدِ (فِي الْعَقَارِ بِلَا ذِكْرِ قَبْضٍ وَتَارِيخُ الْخَارِجِ أَسْبَقُ قَضَى لِذِي الْيَدِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَى أَوَّلًا ثُمَّ بَاعَ مِنْ ذِي الْيَدِ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) قَضَى (لِلْخَارِجِ) إذْ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ بِهِ لِذِي الْيَدِ عِنْدَهُ أَيْضًا فَيَجْعَلُ الْخَارِجَ كَأَنَّهُ قَبَضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ لِذِي الْيَدِ عِنْدَهُ أَيْضًا فَجَعَلَ الْخَارِجَ كَأَنَّهُ قَبَضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ بَائِعَهُ وَهُوَ ذُو الْيَدِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ انْتَهَى.
(وَإِنْ أَثْبَتَا قَبْضًا قَضَى لِذِي الْيَدِ اتِّفَاقًا)؛ لِأَنَّ الْبَيْعَيْنِ جَائِزَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ بَاعَهُ عَلَى بَائِعِهِ بَعْدَمَا قَبَضَهُ وَذَلِكَ صَحِيحٌ.
(وَإِنْ كَانَ وَقْتُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقُ قَضَى لِلْخَارِجِ فِي الْوَجْهَيْنِ) فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ ذَوِي الْيَدِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ أَوْ سَلَّمَ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ مَا يُخَالِفُهُ كَمَا عُلِمَ مِنْ الْكَافِي وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ قَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ قَالُوا حَاصِلُ الْكَلَامِ فِي ضَبْطِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ إنْ كَانَ تَارِيخُ أَحَدِ الْمُدَّعِيَيْنِ عِنْدَ إقَامَتِهِمَا الْبَيِّنَةَ سَابِقًا فَهُوَ أَحَقُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَابِقًا بَلْ كَانَ مُسَاوِيًا بِأَنْ أَرَّخَا مُوَافِقًا أَوْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَصْلًا أَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبُ يَدٍ أَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا خَارِجًا فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَوْ فِي الْمِلْكِ بِسَبَبٍ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ إلَّا إذَا تَلَقَّيَا مِنْ وَاحِدٍ وَأَرَّخَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ أَحَقُّ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ يَدٍ وَالْآخَرُ خَارِجًا فَالْخَارِجُ أَحَقُّ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي التَّارِيخِ إلَّا إذَا ادَّعَيَا مَعَ الْمِلْكِ فِعْلًا بِأَنْ قَالَ هُوَ عَبْدِي أَعْتَقْته أَوْ دَبَّرْته فَذُو الْيَدِ أَحَقُّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ هُوَ عَبْدِي كَاتَبْته فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ لِكَوْنِهِمَا خَارِجَيْنِ إذْ لَا بُدَّ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْعَاقِدَيْنِ فَإِذَا عَقَدَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُعْتِقًا يَدًا فَلَا يُتَصَوَّرُ الْيَدُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُعْتَقِ فَإِنَّهُ فِي يَدِ الْمَوْلَى إذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا لَا يُعْرَفُ عِتْقُهُ وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ عَبْدِي كَاتَبْته وَقَالَ الْآخَرُ دَبَّرْته أَوْ أَعْتَقْته فَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ يَكُونُ أَكْثَرَ إثْبَاتًا فَهُوَ أَحَقُّ، هَذَا فِي الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ فِي الْمُطْلَقِ أَمَّا فِي الْمِلْكِ بِسَبَبٍ فَإِنَّ ذِكْرَ الْخَارِجِ وَذُو الْيَدِ سَبَبًا وَاحِدًا وَتَلَقَّيَا مِنْ وَاحِدٍ فَذُو الْيَدِ أَحَقُّ وَإِنْ تَلَقَّيَا مِنْ اثْنَيْنِ فَالْخَارِجُ أَحَقُّ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي التَّارِيخِ وَإِنْ ذَكَرَا سَبَبَيْنِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَنْظُرُ إلَى قُوَّةِ السَّبَبِ انْتَهَى.
(وَلَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الشُّهُودِ)؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ عِنْدَنَا بِقُوَّةِ الدَّلِيلِ لَا بِكَثْرَتِهِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً فَهُمَا سَوَاءٌ إذْ شَهَادَتُهُمَا لَيْسَتْ أَقَلَّ مِنْ شَهَادَتِهِمْ فِي إثْبَاتِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْحُكْمِ فَالْكَثْرَةُ لَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ؛ وَلِهَذَا لَا تُرَجَّحُ الْآيَةُ بِآيَةٍ أُخْرَى وَلَا الْخَبَرُ بِالْخَبَرِ وَإِنَّمَا يُرَجَّحُ بِقُوَّةٍ فِيهِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَوَاتِرًا وَالْآخَرُ مِنْ الْآحَادِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُفَسِّرًا وَالْآخَرُ مُحْتَمِلًا فَيُرَجَّحُ الْمُفَسِّرُ عَلَى الْمُحْتَمَلِ وَالْمُتَوَاتِرُ عَلَى الْآحَادِ لِقُوَّةِ وَصْفٍ فِيهِ وَقِيلَ يَقْضِي لِأَكْثَرِهِمَا عَدَدًا؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ أَمِيلُ إلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَكَذَا لَا تَرْجِيحَ بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الشَّاهِدِ أَصْلُ الْعَدَالَةِ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِذِي حَدٍّ فَلَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ بِهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ.
(وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُ خَارِجَيْنِ نِصْفَ دَارٍ وَالْآخَرُ كُلَّهَا) وَبَرْهَنَا عَلَى ذَلِكَ (فَالرُّبْعُ لِلْأَوَّلِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) لِلْأَوَّلِ (الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ)؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ اعْتَبَرَ طَرِيقَ الْمُنَازَعَةِ، وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ لَا يُنَازِعُ صَاحِبَ الْكُلِّ فِي النِّصْفِ فَسَلَّمَ لَهُ النِّصْفَ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُنَصِّفُ النِّصْفَ بَيْنَهُمَا فَلِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ الرُّبَعُ وَهُمَا اعْتَبَرَا طَرِيقَ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ كُلًّا وَنِصْفًا فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةٍ وَلِصَاحِبِ الْكُلِّ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ سَهْمٌ، هَذَا هُوَ الْعَوْلُ وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَضْرِبُ بِكُلِّ حَقِّهِ فَصَاحِبُ الْكُلِّ لَهُ ثُلُثَانِ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَيَضْرِبُ الثُّلُثَيْنِ فِي الدَّارِ وَصَاحِبُ النِّصْفِ لَهُ ثُلُثٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَيَضْرِبُ الثُّلُثَ فِي الدَّارِ فَيَحْصُلُ لَهُ ثُلُثَ الدَّارِ؛ لِأَنَّ ضَرْبَ الْكُسُورِ بِطَرِيقِ الْإِضَافَةِ فَإِنَّهُ إذَا ضَرَبَ الثُّلُثَ فِي السِّتَّةِ يَكُونُ مَعْنَاهُ ثُلُثَ السِّتَّةِ وَهُوَ اثْنَانِ.
وَفِي الْبَحْرِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ (وَإِنْ كَانَتْ) الدَّارُ (فِي يَدَيْهِمَا فَكُلُّهَا) أَيْ كُلُّ الدَّارِ (لِمُدَّعِي الْكُلَّ نِصْفٌ بِقَضَاءٍ وَنِصْفٌ بِلَا قَضَاءٍ)؛ لِأَنَّ دَعْوَى مُدَّعِي النِّصْفَ مُنْصَرِفَةٌ إلَى مَا فِي يَدِهِ لِتَكُونَ يَدُهُ يَدَ مُحِقَّةٍ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ حَمْلَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصِّحَّةِ وَاجِبٌ فَمُدَّعِي النِّصْفَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِ الْجَمِيعِ فَسَلَّمَ النِّصْفَ لِمُدَّعِي الْجَمِيعِ بِلَا مُنَازَعَةٍ فَبَقِيَ مَا فِي يَدِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ إذْ لَا قَضَاءَ بِدُونِ الدَّعْوَى وَاجْتَمَعَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ فِيمَا فِي يَدِ صَاحِبِ النِّصْفِ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِ ثَلَاثَةٍ فَادَّعَى أَحَدُهُمْ كُلَّهَا وَآخَرُ ثُلُثَهَا وَآخَرُ نِصْفَهَا وَبَرْهَنُوا فَهِيَ مَقْسُومَةٌ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ وَعِنْدَهُمَا بِالْعَوْلِ وَبَيَانُهُ فِي الْكَافِي فَلْيُطَالَعْ.
(وَإِنْ بَرْهَنَ خَارِجَانِ عَلَى نِتَاجِ دَابَّةٍ وَأَرَّخَا قَضَى لِمَنْ وَافَقَ سِنُّهَا تَارِيخَهُ) لِرُجْحَانِهِ بِشَهَادَةِ الْحَالِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ.
(وَإِنْ أَشْكَلَ) أَيْ سِنُّهَا بِأَنْ لَا يُوَافِقَ التَّارِيخَيْنِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ (فَلَهُمَا) أَيْ يَقْضِي لَهُمَا لِعَدَمِ رُجْحَانِ أَحَدِ الْبُرْهَانَيْنِ.
(وَإِنْ خَالَفَهُمَا) أَيْ خَالَفَ السِّنُّ التَّارِيخَيْنِ مَعًا (بَطَلَا) أَيْ الْبُرْهَانَانِ لِظُهُورِ كَذِبِ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فَتُتْرَكُ الدَّابَّةُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا.
وَفِي التَّبْيِينِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ بَلْ يَقْضِي بَيْنَهُمَا إنْ كَانَا خَارِجَيْنِ أَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا يَقْضِي بِهَا لِذِي الْيَدِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ.
(وَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُ الْخَارِجَيْنِ عَلَى غَصْبِ شَيْءٍ وَالْآخَرُ عَلَى وَدِيعَتِهِ اسْتَوَيَا)؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ إذَا أَنْكَرَ الْوَدِيعَةَ يَصِيرُ غَاصِبًا وَبُرْهَانُ الْوَدِيعَةِ يَتَضَمَّنُ إنْكَارَ صَاحِبِ يَدٍ.

.فَصْلٌ فِي التَّنَازُعِ بِالْأَيْدِي:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وُقُوعِ الْمِلْكِ بِالْبَيِّنَةِ شَرَعَ فِي وُقُوعِهِ بِظَاهِرِ الْيَدِ لِمَا أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى؛ وَلِهَذَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى الْيَدِ فَقَالَ (لَابِسُ الثَّوْبِ أَوْلَى مِنْ الْآخِذِ بِكُمِّهِ وَالرَّاكِبُ أَحَقُّ مِنْ الْآخِذِ بِاللِّجَامِ وَمَنْ فِي السَّرْجِ أَحَقُّ مِنْ الرَّدِيفِ) أَيْ لَوْ تَنَازَعَا ثَوْبًا أَحَدُهُمَا لَابِسٌ وَالْآخَرُ آخِذٌ بِكُمِّهِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَطْرَافِ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمْ فَاللَّابِسُ أَوْلَى مِنْ الْآخِذِ فِي كَوْنِهِ صَاحِبَ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ وَمُسْتَعْمِلٌ وَكَذَا أَوْ تَنَازَعَا أَحَدُهُمَا رَاكِبًا وَالْآخَرُ آخِذٌ بِلِجَامِهَا وَالرَّاكِبُ أَوْلَى فِي كَوْنِهِ ذَا يَدٍ إذْ تَصَرُّفُهُ أَقْوَى.
وَكَذَا لَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً أَحَدُهُمَا رَاكِبٌ بِسَرْجِهَا وَالْآخَرُ رَدِيفُهُ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمِ يَدِهِ وَقِيلَ هِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ (وَصَاحِبُ الْحِمْلِ أَوْلَى مِمَّنْ عَلَّقَ كُوزَهُ عَلَيْهَا) أَيْ إذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَعَلَيْهَا حِمْلٌ لِأَحَدِهِمَا وَلَلْآخَرُ كُوزٌ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْ كَوْنِهِ ذَا يَدٍ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَصَرُّفًا فِيهَا وَلَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْحِمْلِ إنْ كَانَا حَمَلَاهَا وَتَنَازَعَا كَمَا لَا عِبْرَةَ بِكَثْرَةِ الشُّهُودِ، وَإِذَا أَقَامَا بَيِّنَةً فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فَبَيِّنَةُ مَنْ كَانَ فِي حُكْمٍ خَارِجٍ أَوْلَى لِمَا مَرَّ مِرَارًا.
(وَالرَّاكِبَانِ بِلَا سَرْجٍ أَوْ) رَاكِبَانِ (فِيهِ) أَيْ فِي السَّرْجِ (سَوَاءٌ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَعَلِّقًا بِذَنَبِهَا وَالْآخَرُ مُمْسِكًا بِلِجَامِهَا قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ بِهَا لِمَنْ يُمْسِكُ لِجَامَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّجَامِ غَالِبًا إلَّا الْمَالِكُ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِالذَّنَبِ.
(وَكَذَا الْجَالِسُ عَلَى الْبِسَاطِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِهِ سَوَاءٌ) أَيْ إذَا تَنَازَعَا فِي بِسَاطٍ أَحَدُهُمَا قَاعِدٌ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِيَدٍ فَاسْتَوَيَا فِي عَدَمِ الْيَدِ بِخِلَافِ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ يَصِيرُ بِهِمَا غَاصِبًا لَا بِالْجُلُوسِ وَكَذَا إذَا كَانَا جَالِسَيْنِ عَلَيْهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا (وَمَنْ مَعَهُ) أَيْ وَكَذَا إنْ كَانَ (ثَوْبٌ) فِي يَدِ رَجُلٍ (وَطَرَفُهُ مَعَ آخَرَ) حَيْثُ يُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ يَدُ أَحَدِهِمَا فِي الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْحُجَّةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَمْسِكٌ بِالْيَدِ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ اسْتِمْسَاكًا وَمِثْلُ تِلْكَ لَا يُوجِبُ الرُّجْحَانَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ، هَذَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْقَمِيصِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْحُجَّةِ فَإِنَّ الْحُجَّةَ هِيَ الْيَدُ وَالزِّيَادَةُ هِيَ الِاسْتِعْمَالُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ بِخِلَافِ جَالِسَيْ الدَّارِ تَنَازَعَا فِيهَا حَيْثُ لَا يَقْضِي بَيْنَهُمَا لَا بِطَرِيقِ التَّرْكِ وَلَا بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ (وَالْحَائِطُ) وَهُوَ الْجِدَارُ (لِمَنْ جُذُوعُهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَائِطِ (أَوْ اتَّصَلَ بِبِنَائِهِ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ) اتِّصَالُ التَّرْبِيعِ اتِّصَالُ جِدَارٍ بِجِدَارٍ بِحَيْثُ يَتَدَاخَلُ لِبَنَاتِ هَذَا الْجِدَارِ فِي لِبَنَاتِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ اتِّصَالُ التَّرْبِيعِ؛ لِأَنَّهُمَا يُبْنَيَانِ لِيُحِيطَا مَعَ جِدَارَيْنِ آخَرَيْنِ بِمَكَانٍ مُرَبَّعٍ وَإِنْ كَانَ الْجِدَارُ مِنْ خَشَبٍ فَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَكُونَ سَاجُ أَحَدِهِمَا مُرَكَّبًا فِي الْآخَرِ وَأَمَّا إذَا نُقِبَ وَأُدْخِلَ فَلَا يَكُونُ مُرَبَّعًا فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَا بِاتِّصَالِ الْمُلَازَقَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْبِيعٍ لِعَدَمِ الْمُدَاخَلَةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا بُنِيَا مَعًا (لَا لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ هَرَادِيُّ) وَهِيَ خَشَبَاتٌ تُوضَعُ عَلَى الْجُذُوعِ وَيُلْقَى عَلَيْهَا التُّرَابُ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَكَذَا الْبَوَارِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ اسْتِعْمَالًا لَهُ وَضْعًا إذْ الْحَائِطُ لَا يُبْنَى لَهَا بَلْ هِيَ لِلتَّسْقِيفِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ عَلَى الْهَرَادِيِّ وَالْبَوَارِيِّ كَمَا فِي الدُّرَرِ (بَلْ الْجَارَانِ فِيهِ سَوَاءٌ) يَعْنِي إذَا تَنَازَعَا فِي حَائِطٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ هَرَادِيٌّ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لِأَجْلِهَا بِخِلَافِ الْجُذُوعِ.
(وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ) مِنْ الرَّجُلَيْنِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَائِطِ (ثَلَاثَةُ جُذُوعٍ فَبَيْنَهُمَا) لِاسْتِوَائِهَا فِي أَصْلِ الْعِلَّةِ (وَلَا تَرْجِيحَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الثَّلَاثَةِ يَعْنِي وَلَا عِبْرَةَ بِالْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَاشْتَرَطَ أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِلتَّسْقِيفِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ غَالِبًا فَصَارَ الثَّلَاثُ كَالنِّصَابِ لَهُ.
(وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثَةُ) جُذُوعٍ (وَلِلْآخَرِ أَقَلُّ فَهُوَ) أَيْ الْحَائِطُ (لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ) اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَالْقِيَاسُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ فَيَسْتَوِيَانِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثِ حُجَّةٌ نَاقِصَةٌ إذْ لَا يُبْنَى الْحَائِطُ فِيمَا دُونَهُ وَالْحُجَّةُ النَّاقِصَةُ لَا تَظْهَرُ بِمُقَابَلَةِ الْكَامِلَةِ (وَلِلْآخَرِ مَوْضِعُ خَشَبِهِ) بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ حُكْمَنَا بِالْحَائِطِ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ يَصْلُحُ بِالدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ، فَلَا يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ ثُمَّ اخْتَلَفَ الرِّوَايَاتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ أَوْ لَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ الْحَائِطَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْإِجْذَاعِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ جِذْعِهِ مَشْغُولٌ بِجِذْعِهِ فَيَكُونُ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ الِاسْتِعْمَالِ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمِلْكُ فِيمَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَفِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْحَائِطَ كُلَّهُ لِصَاحِبِ الْأَجْذَاعِ وَلِصَاحِبِ الْقَلِيلِ مَا تَحْتَ جِذْعِهِ يُرِيدُ بِهِ حَقَّ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لِأَجْلِ جِذْعٍ أَوْ جِذْعَيْنِ عَادَةً وَإِنَّمَا يُنْصَبُ لَهُ أُسْطُوَانَةٌ فَلَا يَحْكُمُ لَهُ بِالْمِلْكِ.
وَفِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ أَصَحُّ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُطَالَعْ.
(وَلَوْ) كَانَ (لِأَحَدِهِمَا جُذُوعٌ وَلِلْآخَرِ اتِّصَالٌ فَلِذِي الِاتِّصَالِ) أَيْ صَاحِبِ الِاتِّصَالِ أَوْلَى (وَلِلْآخَرِ) ؟ أَيْ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ (حَقُّ الْوَضْعِ) وَهَذِهِ رِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْحَائِطَيْنِ بِهَذَا الِاتِّصَالِ كَبِنَاءٍ وَاحِدٍ فَالْقَضَاءُ بِبَعْضِهِ يَصِيرُ قَضَاءً بِكُلِّهِ ثُمَّ يَبْقَى لِلْآخَرِ وَضْعُ جُذُوعِهِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِاتِّصَالُ مِنْ جَانِبٍ أَوْ مِنْ جَانِبَيْنِ (وَقِيلَ لِذِي الْجُذُوعِ) أَيْ صَاحِبِ الْجُذُوعِ أَوْلَى وَرَجَّحَ السَّرَخْسِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ؛ لِأَنَّ لَهُ تَصَرُّفًا فِي الْحَائِطِ وَلِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ الْيَدُ وَالتَّصَرُّفُ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمِلْكِ وَفِي الْمُحِيطِ الْأَيْدِي فِي الْحَائِطِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ، وَاتِّصَالُ مُلَازَقَةٍ وَمُجَاوَرَةٍ، وَوَضْعُ جُذُوعٍ وَمُحَاذَاةِ بِنَاءٍ فَأَوْلَاهُمْ صَاحِبُ التَّرْبِيعِ ثُمَّ صَاحِبُ جُذُوعٍ ثُمَّ صَاحِبُ الْمُحَاذَاةِ (وَذُو بَيْتٍ مِنْ دَارٍ كَذِي بُيُوتٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّارِ (فِي حَقِّ سَاحَتِهَا) أَيْ السَّاحَةُ نِصْفَانِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَهُوَ الْمُرُورُ فِيهَا وَالتَّوَضُّؤُ وَكَسْرُ الْحَطَبِ وَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَصَارَتْ نَظِيرَ الطَّرِيقِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَازَعَا فِي الشُّرْبِ حَيْثُ يَقْسِمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيِهِمَا.
(وَلَوْ ادَّعَيَا أَرْضًا كُلٌّ) مِنْهُمَا يَدَّعِي (أَنَّهَا) أَيْ الْأَرْضُ (فِي يَدِهِ وَبَرْهَنَا) كَذَلِكَ (قَضَى بِيَدِهِمَا)؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا غَيْرُ مُشَاهَدٍ لِتَعَذُّرِ إحْضَارِهَا وَالْبَيِّنَةُ تُثْبِتُ مَا غَابَ عَنْ عِلْمِ الْقَاضِي (فَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا) فَقَطْ (أَوْ كَانَ) أَحَدُهُمَا (لَبِنٌ فِيهَا) أَيْ فِي الْأَرْضِ لَبِنًا (أَوْ بَنَى) فِيهَا (أَوْ حَفَرَ) فِيهَا (قَضَى بِيَدِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقِيَامِ الْحُجَّةِ فَإِنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الْبَاقِيَةِ فَلِوُجُودِ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِعْمَالِ وَلَوْ قَالَ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهَا بَدَلَ أَوْ كَانَ لَبِنٌ فِيهَا أَوْ بَنَى أَوْ حَفَرَ لَكَانَ أَشْمَلَ وَأَقْصَرُ تَدَبَّرْ.
وَمَنْ (فِي يَدِهِ صَبِيٌّ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ يَتَكَلَّمُ وَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ (قَالَ أَنَا حُرٌّ) وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْيَدِ (فَالْقَوْلُ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَا يَقْبَلُ دَعْوَى أَحَدٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَبْدُهُ عِنْدَ إنْكَارِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَالْبَالِغِ (وَإِنْ قَالَ)، هَذَا الصَّبِيُّ (أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ) وَهُوَ غَيْرُ ذِي الْيَدِ (فَهُوَ عَبْدٌ لِذِي الْيَدِ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِكَوْنِهِ رَقِيقًا لِفُلَانٍ أَقَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْتِقْلَالٌ وَلَا قُدْرَةٌ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُعْمَلُ بِإِقْرَارِهِ وَيَكُونُ عَبْدًا لِذِي الْيَدِ لَا لِلْخَارِجِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ لَا يُقَالُ إنَّ الْإِقْرَارَ بِالرِّقِّ ضَرَرٌ وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِهِ بَلْ بِدَعْوَى ذِي الْيَدِ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُرَاجَعْ.
(وَكَذَا مَنْ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) إذْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ فَيَكُونُ مِلْكًا لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ إنْ ادَّعَاهُ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ مِنْ يَدٍ عَلَى نَفْسِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا (فَلَوْ ادَّعَى الْحُرِّيَّةَ عِنْدَ كِبَرِهِ لَا يُقْبَلُ بِلَا حُجَّةٍ) أَيْ لَوْ كَبُرَ وَادَّعَى الْحُرِّيَّةَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ عَلَيْهِ الرِّقُّ فَلَا يُنْقَضُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.

.بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ دَعْوَى الْأَمْوَالِ شَرَعَ فِي دَعْوَى النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ وُقُوعًا فَكَانَ أَهَمَّ ذِكْرًا فَقَدَّمَهُ (وَلَدَتْ مَبِيعَةٌ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ) قَمَرِيَّةٍ (مُنْذُ بِيعَتْ فَادَّعَاهُ) أَيْ الْوَلَدَ (الْبَائِعُ) أَيْ بَائِعُ الْمَبِيعَةِ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ (فَهُوَ) أَيْ الْوَلَدُ (ابْنُهُ) فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْبَائِعِ بِدَعْوَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي لِتَيَقُّنِ الْعُلُوقِ قَبْلَ الْبَيْعِ فِي مِلْكِهِ مَعَ دَعْوَةٍ لَمْ تَبْطُلْ بِالْبَيْعِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَبِيعَةِ الْجَارِيَةُ الَّتِي لَا تُبَاعُ إلَّا مَرَّةً كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ فَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ مُذْ بِيعَتْ وَقَدْ مَلَكَهَا سَنَتَيْنِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا بِيعَتْ مَرَّتَيْنِ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّ الْعُلُوقَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي (وَهِيَ) أَيْ الْجَارِيَةُ (أُمُّ وَلَدِهِ)؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ بِيَقِينٍ (وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ) لِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَيَأْخُذُ الْبَائِعُ الْمَبِيعَةَ (وَيَرُدُّ الثَّمَنَ) لِعَدَمِ سَلَامَةِ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي.
(وَإِنْ) وَصَلْيَةٌ (ادَّعَاهُ) أَيْ النَّسَبَ (الْمُشْتَرِي مَعَ دَعَوْتِهِ) أَيْ الْبَائِعُ (أَوْ) ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي (بَعْدَهَا)؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ لِكَوْنِ أَصْلِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَدَعْوَةُ الْمُشْتَرِي دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ إذْ أَصْلُ الْعُلُوقِ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَأَسْبَقُ، هَذَا عِنْدَنَا، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ لَمَّا اتَّصَلَ بِمِلْكِهِ كَانَ ذَلِكَ عَلَى كَوْنِهِ مِنْهُ شَهَادَةً ظَاهِرَةً حَيْثُ إنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الزِّنَا مَعَ أَنَّ النَّسَبَ مَبْنَاهُ عَلَى الْخَفَاءِ فَيُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُضُ وَالْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ دَعْوَةٌ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّهَا أَمَتُهُ وَبِالدَّعْوَةِ يَكُونُ مُنَاقِضًا وَإِذَا بَطَلَتْ دَعْوَاهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ بِدُونِ الدَّعْوَةِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي أَمَّا لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَوَّلًا ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الثَّابِتَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ كَإِعْتَاقِهِ إذْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ نَكَحَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا (وَكَذَا) يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْبَائِعِ (لَوْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْبَائِعُ (بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ أَوْ عِتْقِهَا) أَيْ إنْ مَاتَتْ الْأُمُّ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ وَلَدَتْ لَلْأَقَلِّ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْبَائِعِ وَيَأْخُذُ الْوَلَدَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ هُوَ الْوَلَدُ لَا الْأُمُّ وَلِذَا تُضَافُ الْأُمُّ إلَيْهِ وَيُقَالُ أُمُّ الْوَلَدِ وَتَسْتَفِيدُ الْأُمُّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ جِهَتِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا فَالثَّابِتُ لَهَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَلَهُ حَقِيقَتُهَا وَالْأَدْنَى يَتْبَعُ الْأَعْلَى فَلَا يَضُرُّهُ فَوَاتُ التَّبَعِ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ بَعْدَ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيَحْكُمُ بِحُرِّيَّتِهِ لَا فِي حَقِّ الْأُمِّ فَلَا تَصِيرُ أُمُّ الْوَلَدِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ إنْ صَحَّتْ فِي حَقِّ الْأُمِّ بَطَلَ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي وَالْعِتْقُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ (وَيَرُدُّ حِصَّتَهُ) أَيْ حِصَّةَ الْوَلَدِ (مِنْ الثَّمَنِ فِي الْعِتْقِ) أَيْ يَقْسِمُ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتَيْ الْوَلَدِ وَالْأُمِّ وَيَرُدُّ مَا أَصَابَ الْوَلَدُ مِنْ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ دُونَ مَا أَصَابَ الْأُمَّ مَعَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ.
(وَ) يَرُدُّ (كُلَّ الثَّمَنِ فِي الْمَوْتِ) عِنْدَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَمَالِيَّتُهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ فِي الْعَقْدِ وَالْغَصْبِ فَلَا يَضْمَنُهَا الْمُشْتَرِي (وَقَالَا) يَرُدُّ (حِصَّتَهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْعِتْقِ وَالْمَوْتِ ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا فَيَضْمَنُهَا فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ يَكُونُ رَدُّ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَا حِصَّتُهَا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمَوْتِ لَكِنْ فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ أَوْ دَبَّرَهَا يَرُدُّ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ بِرَدِّ كُلِّ الثَّمَنِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَوْتِ كَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ فَعَلَى، هَذَا أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِيهِمَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَة وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: يَرُدُّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَا حِصَّتُهَا بِالِاتِّفَاقِ وَفَرَّقَ عَلَى هَذَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ كَذَّبَ الْبَائِعَ فِيمَا زَعَمَ حَيْثُ جَعَلَهَا مُعْتَقَةً مِنْ الْمُشْتَرِي فَبَطَلَ زَعْمُهُ وَلَمْ يُوجَدْ التَّكْذِيبُ فِي فَصْلِ الْمَوْتِ فَيُؤْخَذُ بِزَعْمِهِ فَيَسْتَرِدُّ بِحِصَّتِهَا أَيْضًا كَمَا فِي الْكَافِي.
(وَلَوْ ادَّعَاهُ) الْبَائِعُ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ (أَوْ عِتْقِهِ رُدَّتْ) دَعْوَاهُ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَى النَّسَبِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَذَا بَعْدَ عِتْقِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْأَصْلُ.
(وَلَوْ وَلَدَتْ) الْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ (لِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ وَأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ) مُنْذُ بِيعَتْ (إنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي) الدَّعْوَةَ (فَالْحُكْمُ كَالْأَوَّلِ) يَعْنِي يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَأُمِّيَّتُهَا وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيَرُدُّ الثَّمَنَ عِنْدَنَا خِلَافًا لَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ عَلَى مَا مَرَّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي (فَلَا يَثْبُتُ) النَّسَبُ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ تُوجَدْ الْحُجَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ فَإِذَا صَدَّقَهُ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ.
(وَإِنْ) وَلَدَتْ (لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ) مُنْذُ بِيعَتْ (لَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اتِّصَالُ الْعَلَوِيِّ بِمِلْكِهِ وَهُوَ الْأَصْلُ (فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي) الْبَائِعَ (ثَبَتَ نَسَبُهُ) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ (وَحُمِلَ عَلَى النِّكَاحِ وَلَا يُرَدُّ الْبَيْعُ وَلَا يُعْتَقُ الْوَلَدُ) وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِحُدُوثِ الْعُلُوقِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَا يَسْتَنِدُ عَلَى مَا قَبْلَهُ حَتَّى لَزِمَ بُطْلَانُ بَيْعِهِ، وَالْأَمَةُ أُمُّ وَلَدٍ لِبَائِعِهِ بِمِلْكِ نِكَاحٍ بِأَنْ مَلَكَهَا ثُمَّ بَاعَهَا فَاسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ.
(وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَكَانَ الْعُلُوقُ أَيْضًا عِنْدَهُ (ثُمَّ ادَّعَاهُ) بَعْدَ بَيْعِ مُشْتَرِيهِ مِنْ آخَرَ (صَحَّتْ دَعْوَتُهُ) وَيَكُونُ هُوَ ابْنُهُ (وَرُدَّ بَيْعُ مُشْتَرِيهِ)؛ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ كَالْبَيِّنَةِ، وَالْبَيْعُ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الدَّعْوَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ.
(وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ كَاتَبَهُ) أَيْ الْوَلَدَ (الْمُشْتَرِي أَوْ كَاتَبَ) الْمُشْتَرَى (أُمَّهُ أَوْ رَهَنَ) الْوَلَدَ أَوْ أُمَّهُ (أَوْ آجَرَ) الْوَلَدَ أَوْ أُمَّهُ (أَوْ زَوَّجَهَا) أَيْ الْأُمَّ (ثُمَّ كَانَتْ الدَّعْوَةُ صَحَّتْ) أَيْ دَعْوَتُهُ (وَنُقِضَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَوَارِضَ يَحْتَمِل النَّقْضَ فَيُنْتَقَضُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَتَصِحُّ الدَّعْوَةُ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْضَ عَلَى مَا مَرَّ.
(وَلَوْ بَاعَ أَحَدَ تَوْأَمَيْنِ وَلَدًا عِنْدَهُ فَأَعْتَقَهُ مُشْتَرِيهِ ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ) التَّوْأَمَ (الْآخَرَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ (وَبَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي) إذْ ثُبُوتُ نَسَبِ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ نَسَبَ الْآخَرِ، هَذَا إذَا كَانَ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ عِنْدَ تَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَبْطُلُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي وَلَا يُنْتَقَضُ بَيْعُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ (وَمَنْ فِي يَدِهِ صَبِيٌّ) لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ (لَوْ قَالَ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ) أَوْ هُوَ ابْنُ عَبْدِ فُلَانٍ الْغَائِبِ (ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي لَا يَكُونُ ابْنَهُ) أَيْ ابْنُ ذِي الْيَدِ.
(وَإِنْ) وَصَلْيَةٌ (جَحَدَ زَيْدٌ بُنُوَّتَهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالْإِقْرَارُ بِمِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَبَقِيَ، فَتُمْتَنَعُ دَعْوَتُهُ وَإِذَا صَدَّقَهُ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَدْرِ تَصْدِيقَهُ وَلَا تَكْذِيبَهُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْمُقِرِّ عِنْدَهُمْ (وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ إنْ جَحَدَ) زَيْدٌ بُنُوَّتَهُ، وَهُوَ ابْنُ ذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ ارْتَدَّ بِالرَّدِّ فَصَارَ كَأَنَّ لَمْ يَكُنْ، وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ يُرِيدُ بِالرَّدِّ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْصَ.
وَفِي الدُّرَرِ نَقْلًا عَنْ الْعِمَادِيَّةِ وَلَوْ قَالَ لِصَبِيٍّ، هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنِّي يَصِحُّ إذْ بِالْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ مِنِّي تَعَلُّقُ حَقِّ الْمُقِرِّ وَالْمَقَرِّ لَهُ أَمَّا حَقُّ الْمَقَرِّ لَهُ فَإِنَّهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى يَنْتَفِيَ كَوْنُهُ مَخْلُوقًا مِنْ مَاءِ الزِّنَا فَإِذْ قَالَ لَيْسَ، هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ الْوَلَدِ فَإِذَا عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ: هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنِّي لَا يَصِحُّ النَّفْيُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ وَإِذَا ثَبَتَ لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ وَهَذَا إذَا صَدَّقَهُ الِابْنُ أَمَّا بِغَيْرِ التَّصْدِيقِ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ بِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ لَكِنْ إذْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الِابْنُ ثُمَّ عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَبِ لَمْ يَبْطُلْ بِعَدَمِ تَصْدِيقِ الِابْنِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَوْ أَنْكَرَ الْأَبُ الْإِقْرَارَ أَقَامَ الِابْنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَقَرَّ إنِّي ابْنُهُ تُقْبَلُ وَالْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ ابْنِي مَقْبُولٌ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ جُزْؤُهُ أَمَّا الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ أَخُوهُ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ.
(وَلَوْ كَانَ) الصَّبِيُّ (فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فَادَّعَى الْمُسْلِمُ رِقَّهُ وَ) ادَّعَى (الْكَافِرُ بُنُوَّتَهُ فَهُوَ حُرٌّ ابْنُ الْكَافِرِ)؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُرَجِّحٌ أَيْنَمَا كَانَ وَالتَّرْجِيحُ يَسْتَدْعِي التَّعَارُضَ وَلَا تَعَارَضَ هَهُنَا؛ لِأَنَّ النَّظَرَ لِلصَّبِيِّ وَاجِبٌ وَنَظَرُهُ فِيمَا ذَكَرْنَا أَوْفَرُ؛ لِأَنَّهُ يَنَالُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ حَالًا وَشَرَفُ الْإِسْلَامِ مَآلًا إذْ دَلَائِلُ الْوَحْدَانِيَّةِ ظَاهِرَةٌ، وَفِي عَكْسِهِ الْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ تَبَعًا وَحِرْمَانُهُ عَنْ الْحُرِّيَّةِ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ اكْتِسَابُهَا وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ فَلْيُطَالَعْ.
قِيلَ مُسْلِمٌ أَيْضًا حَالًا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ لَا عَبْدٌ لِمُسْلِمٍ، هَذَا إذَا ادَّعَيَا مَعًا، وَإِنْ سَبَقَ دَعْوَى الْمُسْلِمِ كَانَ عَبْدًا لَهُ، وَإِنْ ادَّعَيَا الْبُنُوَّةَ كَانَ ابْنًا لِمُسْلِمٍ لِحُصُولِ الْإِسْلَامِ حَالًا.
(وَلَوْ كَانَ) الصَّبِيُّ (فِي يَدِ زَوْجَيْنِ فَزَعَمَ) الزَّوْجُ (أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا وَزَعَمَتْ) الزَّوْجَةُ (أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ) أَيْ الْوَلَدُ (ابْنُهُمَا)؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَقَرَّ لِلْوَلَدِ بِالنَّسَبِ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا ثُمَّ يُرِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا إبْطَالَ حَقِّ صَاحِبِهِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ.
وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّبِيِّ الصَّبِيُّ الْغَيْرُ مُعَبِّرٌ وَإِلَّا فَهُوَ لِمَنْ صَدَّقَهُ.
(وَلَوْ اسْتَوْلَدَ مُشْتَرَاتَهُ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَادَّعَاهُ (ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ) الْأَمَةُ بِدَعْوَى مُسْتَحِقٍّ (فَالْوَلَدُ حُرٌّ) وَكَذَا إذَا مَلَكَهَا بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرَ الشِّرَاءِ أَيُّ سَبَبٍ كَانَ كَالْإِرْثِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ.
وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ لَهُ فَاسْتُحِقَّتْ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ، وَلَوْ مَلَكَ أَمَةً بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ لَكَانَ أَشْمَلَ (وَعَلَى الْأَبِ قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الْوَلَدِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ؛ وَلِأَنَّ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاجِبٌ فَيُجْعَلُ الْوَلَدُ حُرَّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ أَبِيهِ وَرَقِيقًا فِي حَقِّ مُدَّعِيهِ نَظَرًا لَهُمَا (يَوْمَ الْخُصُومَةِ)؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ الْمَنْعِ كَوَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ (فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ) قَبْلَ الْخُصُومَةِ إذْ بَعْدُ الْخُصُومَةِ يُغَرَّمُ لِتَحَقُّقِ الْمَنْعِ فِيهِ (فَلَا شَيْءَ عَلَى أَبِيهِ) لِانْعِدَامِ الْمَنْعِ (وَتَرِكَتُهُ لَهُ) أَيْ تَكُونُ تَرِكَةُ الْوَلَدِ مِيرَاثًا لِأَبِيهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ أَوْ بَعْدَهَا لِكَوْنِهِ حُرَّ الْأَصْلِ إذْ الْوَلَدُ فِي حَيَاتِهِ أَحَقُّ بِمَالِهِ فَيَكُونُ الْأَبُ أَحَقَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفَهُ.
(وَإِنْ قَتَلَهُ الْأَبُ غُرِّمَ قِيمَتُهُ) لِتَحَقُّقِ الْمَنْعِ مِنْ الْأَبِ بِقَتْلِهِ.
(وَكَذَا إنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْأَبِ (فَأَخَذَ دِيَتَهُ) أَيْ أَخَذَ الْأَبُ مِقْدَارَ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ بَدَلِهِ كَسَلَامَتِهِ وَمَنْعَ بَدَلِهِ كَمَنْعِهِ فَيُغَرَّمُ قِيمَتُهُ كَمَا إذْ كَانَ حَيًّا (وَيَرْجِعُ) الْمُشْتَرِي (بِقِيمَتِهِ) أَيْ قِيمَةِ الْوَلَدِ الَّتِي ضَمِنَهَا (وَبِالثَّمَنِ) أَيْ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ (عَلَى بَائِعِهِ)؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَةَ الْوَلَدِ لِكَوْنِهِ جُزْءَ الْمَبِيعِ إذْ الْغُرُورُ يَشْمَلُ سَلَامَةَ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ (لَا) يَرْجِعُ (بِالْعُقْرِ) الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ الْمُسْتَحَقُّ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ ضَامِنًا لِسَلَامَتِهِ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَرْجِعُ بِالْعُقْرِ أَيْضًا وَلَوْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ فَاسْتَوْلَدَهَا الثَّانِي ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ، وَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ أَيْضًا.
وَفِي الدُّرَرِ ادَّعَى الْعُصُوبَةَ وَبَيَّنَ النَّسَبَ وَبَرْهَنَ الْخَصْمُ أَنَّ النَّسَبَ بِخِلَافِهِ إنْ قَضَى بِالْأَوَّلِ لَمْ يَقْضِ بِهِ وَإِلَّا تَسَاقَطَا لِلتَّعَارُضِ وَعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بَرْهَنَ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَبَرْهَنَ الدَّافِعُ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِأُمِّهِ فَقَطْ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْمَيِّتِ بِهِ أَيْ بِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِأُمِّهِ فَقَطْ كَانَ دَفْعًا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْأَوَّلِ لَا بَعْدَهُ لِتَأَكُّدِهِ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ادَّعَى مِيرَاثًا بِالْعُصُوبَةِ فَدَفَعَهُ أَنْ يَدَّعِيَ خَصْمُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ إقْرَارَهُ مَفْعُولُ يَدَّعِي بِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ إذْ يَكُونُ حِينَئِذٍ بَيْنَ كَلَامَيْهِ تَنَاقُصٌ انْتَهَى.